د. عبدالله الفريد, استشاري طب الأطفال وأمراض الدم والأورام لدى الأطفال في مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر ، استاذ مساعد فخري بحامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل
هل يمكنك تزويدنا بمعلومات عن مرض فقر الدم المنجلي (SCD) ؟
الأنيميا المنجلية من الأمراض الوراثية الشائعة في مملكتنا الحبيبة، والذي يتطلب حدوثه أن يكون الأب والأم حاملين للجين المسبب لهذا المرض أو أن يكون أحدهم مصاب والآخر حامل للجين.
تبدأ أعراضه عادة بعد عمر الستة أشهر، وتختلف في شدتها من طفل لآخر بل أحيانا تكتشف بالمصادفة في بادئ الأمر حيث أن الطفل لا يشكوا من أي عرض.
هل يمكنك إخبارنا عن مدى انتشار مرض فقر الدم المنجلي بين الأطفال في المملكة العربية السعودية؟
تشير الإحصاءات إلى أن معدل انتشاره يبلغ حوالي 2.3%. ويبرز بشكل واضح في المنطقة الشرقية وأخص بالذكر محافظة القطيف وضواحيها وكذلك الأحساء، وفي المنطقة الجنوبية والساحل الغربي.
ما هي أهمية الفحص قبل الزواج وفحص حديثي الولادة؟
يقول المثل: (درهم وقاية خير من قنطار علاج)، لعلي من هذا المنبر أوصل صوتي لأخوتي وأخواتي وكذلك الجهات المسؤولة في منظومتنا الصحية للأسف لا يزال الوعي لدى المجتمع بأهمية الفحص ما قبل الزواج ضعيفة، ومدى أهمية الالتزام واتخاذ القرار الصائب في العدول عن الزواج في حالة عدم التطابق، هذا الأمر يحكمه عدة جوانب لابد للجهات الصحية النظر والبت فيها. أولها تنقصنا الحملات التوعوية الواسعة النطاق منها الحضورية في المجمعات والمولات وكذلك التي تكون عن بعد باستخدام الوسائل الإعلامية التقليدية والوسائل الحديثة كمواقع التواصل الاجتماعي.
ثانيا إدراج الفحص بشكل أكبر وليس فقط قبل الزواج مباشرة لأن في مجتمعنا لا يتم الفحص إلا بعد أن يتقدم الشاب لخطبة الفتاة وتكون الخطبة رسمية فإذا وجد أن الفحص يشير لعدم التطابق يكون التراجع في هذا الوقت محرج للشاب والفتاة ولذويهم وهذا الأمر حصل لقريب لي فآثر المضي قدما مع إلحاحي عليه بالعدول وتجنب معاناة أطفالكم الذي سينتج عن هذا الزواج. لذلك برأيي أن يكون الفحص متطلب إلزامي قبل الدخول للجامعة على سبيل المثال أو قبل الالتحاق بوظيفة فيمكن الشاب والفتاة معرفة وضعهم الصحي قبل التفكير حتى بالزواج فيتجنبوا عنصر المفاجأة.
الأمر الآخر وقد يكون مكلف بعض الشيء في بادئ الأمر ولكن سيوفر راحة البال للزوجين مستقبلا (خصوصا إذا كان أحد الزوجين مصاب والأخر حامل) وهو أن يكون الإنجاب عن طريق التلقيح الصناعي بحيث يتفادى الطبيب تلقيح البويضة المصابة بالحيوان المنوي المصاب.
بذلك نتمكن من تقليل حصول المرض وتقل تبعا لذلك معاناة الزوجين وذريتهم من بعدهم.
أما فيما يخص فحص حديثي الولادة: فهو يُتيح فرصة اكتشاف الإصابة بالمرض قبل ظهور الأعراض. ويسمح – أيضًا – بالتدخل الطبي في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى تحسين النتائج الصحية بشكلٍ كبير. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون اكتشاف المرض مبكرا منقذًا للحياة، حيث يمكن للتدخل المبكر أن يُقلل من احتمالية حدوث المضاعفات الخطيرة ، وعلى المدى الطويل يمكن أن يحسن العلاج المبكر والمستمر من جودة الحياة للأطفال، مما يسمح لهم بأن يعيشوا حياة أكثر صحة وإنتاجية.
ما هي الأعراض التي تُصاحب مرض فقر الدم المنجلي عند الأطفال؟
كما أسلفت بالذكر سابقا أن الأعراض قد تختلف من طفل لآخر ومن مريض لمريض آخر ولكن بالمجمل مرضى الأنيميا المنجلية في المنطقة الشرقية الأغلب تكون أعراضهم أخف بكثير في السنوات العشر الأولى من حياتهم ويعود السبب في ذلك إلى وجود الهيموجلوبين الجنيني (Hemoglobin F) لديهم بنسبة عالية تبدأ بالتناقص تدريجيا بعد سن العاشرة حتى يصل لمستواه الطبيعي. فتتساوى الأعراض بعد ذلك بالمرضى في الساحل الغربي والمنطقة الجنوبية.
الأطفال المصابين بالأنيميا المنجلية يعانون بشكل مُتكرر من نوبات ألم حادة وتعتبر من الأعراض الأكثر شيوعا لدى هذه الفئة الغالية علينا بالإضافة إلى تكرار حصول الالتهابات حيث أن مناعتهم تعتبر أضعف من عامة الناس ، ومن الأعراض كذلك نوبات تكسر الدم حيث يصاحبها شحوب في الوجه أكثر من العادة وملحوظ من لدن والدي المريض بالإضافة الى دكانة في البول واصفرار في العينين. أغلب زيارات الأطفال المصابين للمستشفى وتنويمهم تكون بسبب ما سلف ذكره.
وهناك كذلك أعراض أخرى مثل تمنجل الرئة (متلازمة الصدر الحادة ) حيث يصاحب الطفل ألم في الصدر وضيقة في التنفس مع ارتفاع في الحرارة، وكذلك التضخم المفاجئ في الطحال حيث يتجمع فيه الدم ولا يعود للدورة الدموية فيصاحب ذلك الشعور بالتعب الشديد والشحوب الواضح وانتفاخ البطن وتضخم الطحال وتعتبر هتان الحالتان من الحالات الطارئة التي يجب على ذوي المريض التوجه به لأقرب مستشفى.
ما هي الاختلافات بين مرض فقر الدم المنجلي عند الأطفال والبالغين؟
هناك بالتأكيد مجموعة من الاختلافات في تأثير المرض على المصابين من الأطفال والبالغين.
عند الرضع والأطفال، تختلف الأعراض عند الأطفال على سبيل المثال آلام التمنجل وتكون في بادئ الأمر في الأطراف حيث تتنفخ بعض أصابع اليدين والقدمين ويصاحبهما ألم شديد وهذا لا يحدث بدوره لدى البالغين، ومتلازمة الصدر الحادة تحصل بكثرة لدى الأطفال ونادرا عند البالغين.
ولدى البالغين، هناك مجموعة مُختلفة من الأعراض قلما تحدث في فترة الطفولة، مثل الألم المزمن وتلف الأعضاء. كما أنّ هناك خطرًا أكبر بين البالغين لزيادة احتمالية الإصابة بارتفاع ضغط الدم الرئوي، وأمراض الكلى، و تنخر العظم وهو مرض ناتج عن الفقدان المؤقت أو الدائم لتدفق الدم إلى العظام مما يؤدي إلى تآكل العظم.
ما هي الإجراءات التي يُمكن اتخاذها لتقليل العبء المرضي على المُصابين من الأطفال؟
يتطلب تقليل العبء المرضي لمرض فقر الدم المنجلي في الفئة العمرية للأطفال نهجًا مُتعدد الأوجه يشمل التشخيص المبكر، والتدابير الوقائية، الدعم الطبي المستمر، ودعم الأسر من ذوي المرضى.
من الضروري أن تحرص الأسر التي لديها تاريخ عائلي مع المرض على إجراء فحص حديثي الولادة والاستشارة الجينية، وذلك لأن التشخيص المبكر للمرض من أهم الإجراءات لإدارته، إلى جانب الخطة العلاجية الصحيحة. ومن المهم كذلك، المحافظة على مواعيد مُنتظمة مع مُقدمي الرعاية الصحية المتخصصين في مرض فقر الدم المنجلي لمراقبة الحالة وإدارتها. تشمل العلاجات المتاحة التطعيمات، والمضادات الحيوية، ونقل الدم. كل هذه الإجراءات يمكن أن تساعد في توفير الرعاية الداعمة للأطفال المرضى والمساعدة في إدارة أعراض المرض.
وأخيرًا، يجب التأكُّد من حصُول الأطفال على الدعم الأسري المناسب، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي. كما يتعين توفير التثقيف الشامل لأسر المصابين بمرض فقر الدم المنجلي لمساعدتهم في التكيّف مع التحديات الجسدية، العاطفية، والاجتماعية المرتبطة بالمرض.