نساء سعوديات يدفعن عجلة التغيير
أظهرت الدراسات في السنوات الأخيرة ارتفاع توجه النساء للالتحاق بالكوادر البشرية في المملكة العربية السعودية. ويعود ذلك إلى الإصلاحات التي جرى تطبيقها بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وتهدف إلى زيادة مشاركة النساء في الكوادر البشرية السعودية لتصل نسبتها إلى 30% بحلول عام 2030. وخلال الشهر الماضي فقط، استقطب إعلان عمل لتوظيف 30 مشغلة قطارات في المملكة العربية السعودية 28 ألف متقدمة، الأمر الذي يكشف عن حجم الفرص السانحة اليوم لنساء المملكة.
وفي خضم المشهد الاقتصادي الجديد في المملكة العربية السعودية، تضع النساء مساهمات ملحوظة في قطاعات هيمن عليها الرجال في الماضي، على غرار الطاقة والتمويل والطيران والرعاية الصحية. وإلى جانب الزيادة التي شهدناها في عدد النساء السعوديات الملتحقات بالحياة المهنية خلال السنوات القليلة الماضية، برزت إلى الواجهة امرأتان من المتخصصات في شؤون الموارد البشرية نظراً لقدرتهن على تخطي الحدود المألوفة على مر السنين. ويشاركن تجربتهن على المستويين الشخصي والمهني، وهما ساره قناديلي وفاطمة البحراني.
الإقدام على مواجهة المخاطر وتخطي العقبات قادها لمنصبها الحالي
لطالما آمنت ساره قناديلي بأنها ستتمكن من العمل في شركة عالمية، على الرغم من أنها لم تعرف الكثير من النساء اللاتي يعملن خارج منزلهن خلال نشأتها في المملكة العربية السعودية، ولم تقابل أي امرأة تعمل في مكتبها الخاص ضمن شركة.
وتشغل ساره اليوم منصب أخصائية الموارد البشرية في مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتكنولوجيا في الدمام. وعلى الرغم من إيمانها بأنها ستحصل على وظيفة فعلية وستجلس وراء طاولة في أحد المكاتب، إلى أنها لم تعلم نوع المهنة التي ستلتحق بها، وتقول: “لطالما تخيلت نفسي مرتدية الزي الرسمي، وذاهبة إلى مكتبي في شركة عالمية، على الرغم من صعوبة هذا الأمر في الماضي”.
إلا أنه بعد تكليفها بمهمة على أرض الواقع في مجال الموارد البشرية ضمن مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتكنولوجيا في الدمام في إطار دراستها الجامعية، نال هذا المجال إعجابها بشكل كبير.
وجاء تكليفها المبدئي في إطار برنامج جنرال إلكتريك للتعاون مع الجامعة، بهدف تطوير نظام تقييم لموظفي مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتكنولوجيا، الذين يقومون بالعديد من المهام العملية للصيانة والإصلاح والإنتاج في المركز. وتستذكر ساره ذلك بقولها: “كان ذاك التكليف نقطة الانطلاق بالنسبة لي. ومع قدرتي على المساهمة في المؤسسة بهذه الطريقة، حتى كطالبة، فإن هذه المساهمة فتحت آفاقاً واسعة لي في مجال الموارد البشرية”.
ويضم مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتكنولوجيا مركزاً لخدمة وإصلاح التوربينات الغازية؛ ومركزاً للمراقبة والتشخيص مخصص لمراقبة أصول توليد الطاقة عن بعد؛ ومركز بحوث وتطوير البيئات الحارة والقاسية؛ و”جنرال إلكتريك السعودية للتوربينات المتقدمة” المشروع المشترك بين شركتي دسر و”جنرال إلكتريك” لتصنيع التوربينات الغازية ذات الحمل الثقيل ومكوناتها في المملكة. وقدم مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتكنولوجيا بعد مرور 10 أعوام على انطلاق عملياته خدماته لما يزيد عن 70 عميل في أكثر من 40 دولة.
وحظيت ساره بعد تخرجها بفرصة الالتحاق ببرنامج التدريب المهني المبكر لمدة ستة أشهر والذي يمنح الخريجين الجدد خبرة مهنية عملية في “جنرال إلكتريك”، لتعمل في قسم الموارد البشرية في مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتكنولوجيا.
وتحمل ساره بكالوريوس نظم المعلومات الإدارية من جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، حيث عملت لفترة وجيزة بعد اختتام البرنامج، في شركة مملوكة لعائلتها. إلا أنها سرعان ما أدركت مدى تعلقها ببيئات عمل القطاع الصناعي، لذلك بادرت إلى تقديم طلب توظيف، وحصلت على قبول في شركة سعودية لمعدات البناء، حيث أطلقت أعمال الموارد البشرية للشركة في الدمام.
استمتعت ساره بالعمل مع الفنيين والعمال في ورش العمل، وأدركت أن عملها هذا يمنحها فرصة قيمة لاكتساب خبرات قيّمة نظراً لأنهم ينحدرون من ثقافات مختلفة ويحملون مؤهلات تعليمية متنوعة.
المساعدة في تغيير ثقافة عمل الشركة
ساعدت ساره خلال عملها السابق، في تغيير ثقافة عمل الشركة، لاسيما وأنها كانت أول امرأة تشغل منصباً فيها، وتقول: “في البداية، كان من الصعب جداً على كوادر ورشة العمل التحدث إلي، حتى أنهم عجزوا عن النظر في إلى وجهي مباشرة. إلا أنني كنت أحرص على التواجد في المكتب كل يوم، وفي نهاية المطاف، بدأوا بالتحدث معي عن مخاوفهم ومشاكلهم، والتعبير عن آرائهم حول سبل تحسين سير العمل. كان ذلك أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لي ويدعوني للفخر. فقد نجحت بتغيير أسلوب تفكيرهم ومنحهم الراحة للحديث إلي عن كل ما يفكرون به”.
وعندما أعلن مركز جنرال إلكتريك للتصنيع والتكنولوجيا عن توفر شاغر، سارعت ساره إلى التقدم ونجحت في تولي منصبها الحالي.
وتضيف ساره: “أردت الحصول على هذه الفرصة لأتمكن من العمل في البيئة المتنوعة والمثمرة التي توفرها ’جنرال إلكتريك‘. كما تضع الشركة تركيزاً كبيراً على السلامة من بين عدد من الأولويات، في حين يتسم قادتها بحسن تفهمهم، ناهيك عن المساواة بين الجنسين، وبالتالي فإن فرصة العمل هنا في هذه البيئة المرنة متميزة بكل المقاييس”.
وتستمتع ساره باختلاف كل يوم عمل عن سابقه، وتحب خوض التحديات واغتنام الفرص، وتحرص دوماً على ابتكار طرق جديدة لدعم الموظفين، وتشرح ذلك بالقول: “تعلمت إيجاد طرق جديدة في اتخاذ القرارات العادلة، بالنسبة للموظفين والشركة. فإيجاد حلول للجميع تتسم بالعدل هو جزء من عملي. ولاشك أن رؤية الموظفين يغادرون مكتبي مبتسمين هو أمر يسعدني للغاية”.
قيم الانفتاح على مختلف الثقافات وقبول الجميع
وكما كان حالها في عملها السابق، تستمتع ساره بدعم الفنيين والعمال، وتشرح ذلك بقولها: “يتميز الموظفون السعوديون والوافدون بتنوع كبير، حيث ينحدرون من ثقافات وجنسيات مختلفة. ولذلك أحب بيئة العمل هذه، فهي لا تثري خبراتي المهنية فحسب، بل تصقل شخصيتي ومهاراتي. كما أنني أتعلم الكثير من ثقافات مختلفة، وأتفاعل مع الموظفين على تنوع عاداتهم وتقاليدهم. وأحرص على تعليم طفلي ثقافة التنوع وقبول الآخر، والانفتاح على مختلف الثقافات والأديان، وتوعيته بسبل التواصل مع الآخرين”.
وباعتبارها أول امرأة في أسرتها تخوض الحياة المهنية من مكتب في شركة صناعية، تنصح ساره الشابات، بما في ذلك بنات أختها وأختها الصغرى، بعدم الاستسلام. فالمملكة العربية السعودية اليوم تعمل على تمكين النساء في مختلف المهن والمجالات العملية، وتقول: “يتعين على المرأة التحلي بالجرأة وعدم الخوف من ارتكاب الأخطاء، لأن المحاولة هي أفضل طريقة للتعلم. ويجب على جميع النساء الإقبال على التجارب الجديدة، لأنها تمنح أفضل الخبرات على المستويين الشخصي والمهني”.
“علينا شق طريقنا الخاص في الحياة، وعدم الاستسلام لمصيرنا”
فاطمة البحراني هي مديرة الموارد البشرية في شركة “جنرال إلكتريك” في المملكة العربية السعودية، وتعتبر أول امرأة في أسرتها تعمل لدى شركة عالمية، حيث ألهمها تفاني والدتها وجدتها نحو تحقيق النجاح في حياتها المهنية.
وتقول فاطمة: “رأيت مدى قدرة والدتي وجدتي على الاستفادة من الفرص التي أتيحت لهما في الماضي، حيث كانت والدتي مدرسة في روضة، وكان بمقدور جدتي القراءة إلا أنها لم تتمكن من الكتابة. فقصص نجاحهن راسخة في ذكرياتي، وأستمد منها إلهامي وشغفي ببذل كل جهد ممكن لتحقيق النجاح”.
وأظهرت فاطمة، مدير عمليات كوادر العمل، وتقديم الخدمة في شركة “جنرال إلكتريك” في المملكة العربية السعودية والبحرين، إمكاناتها الواعدة وتفانيها المطلق عندما كانت لاتزال في المرحلة الثانوية. ولم تتمكن من الالتحاق بالكلية التي تقدمت إليها والبرنامج الذي اختارته، وبدلاً من الالتحاق بالخيار الدراسي الذي أتيح لها، اختارت الانتظار، وتقول: “لم أكن راغبة بعيش حياة ليست لي، فخاطرت بالانسحاب من الكلية التي حصلت على فرصة فيها وانتظرت. لأنه في بعض الأوقات، علينا أن نقاتل لتحقيق أهدافنا، وشق طريقنا الخاص للوصول إلى الحياة التي نسعى إليها، وعدم الاستسلام لمصيرنا”.
التحقت فاطمة بمعهد خاص، حيث حصلت على شهادة الدبلوم، قبل أن تتقدم مجدداً إلى الجامعة وتحظى بقبول فيها، لتحصل على شهادة نظم المعلومات الإدارية التي لطالما حلمت بها.
وتضيف فاطمة: “لم تدخر أسرتي أي جهد ممكن لدعمي، وساعدتني على الالتحاق بالمعهد. ومنحني ذاك الدعم القوة لمواصلة تعليمي. ولذلك أنا فخورة جداً بنفسي وبأفراد أسرتي المحيطين بي، والذين ساعدوني في اتخاذ ذاك القرار”.
وحصلت فاطمة على بكالوريوس من كلية الجبيل الجامعية، وأثناء عملها السابق، حصلت على ماجستير إدارة الأعمال من الجامعة السعودية الإلكترونية بالتعاون مع جامعة كولورادو.
كانت فاطمة حريصة على دراسة نظم المعلومات الإدارية نظراً لمزايا هذه الشهادة التي تجمع بين التكنولوجيا والأعمال، حيث مهدت طريقها نحو تلبية شغفها الآخر بالتعامل مع كوادر العمل، وهو الشغف الذي قادها للانخراط في مجال الموارد البشرية لمدة تسع سنوات من حياتها المهنية.
توضح فاطمة ذلك بقولها: “أردت مجالاً مهنياً يقوم على التواصل مع الناس. فلطالما كنت شغوفة بالتواصل معهم، وفهم سلوكياتهم وتنوع طبائعهم وثقافاتهم. ففي مجال عملي في الموارد البشرية، أقابل العديد من الأشخاص من مختلف وحدات الأعمال، ومن الأقسام الإدارية، من مختلف الثقافات والخلفيات بما أنني أعمل لدى شركة عالمية”.
إن التفاعل مع أفراد فرق العمل منح مهامها هدفاً واضحاً، وهو ما تؤكد عليه بالقول: “يأتي الموظفون إلينا يومياً باحثين عن المساعدة والدعم. ولذلك أبذل ما بوسعي لوضع بصمة إيجابية في حياتهم, وعندما أقابل هؤلاء الموظفين وأتمكن من مساعدتهم على أكمل وجه، أشعر أن يومي كان مثمراً حقاً”.
وعلى قدر محبتها للناس، فإن فاطمة شغوفة أيضاً بالتكنولوجيا، وتقول: “أفكر دائماً، لماذا نقوم بالأمر بهذه الطريقة وليس بطريقة أخرى؟ فالتكنولوجيا قادرة على مساعدتنا لإجراء العمليات بشكل مختلف، وأكثر سرعة، الأمر الذي يمكننا من التركيز على الجزء البشري. وبتلك الطريقة، يمكن للتكنولوجيا دعمنا في المجالات الأخرى حيث نتفاعل مع الناس. فالكثير من الأشخاص يعتبرون استخدام التكنولوجيا سبب خسارة اللمسة البشرية، إلا أنني أؤمن بقدرتها على دعمنا وتمكيننا من تخصيص وقت أكبر لوضع اللمسة البشرية المثلى”.
وبخلاف اهتماماتها والإلهام الذي استمدته من نساء أسرتها، تعزو فاطمة نجاحها إلى حرصها الدائم على صقل قدراتها وإقدامها على خوض التحديات. وهو أمر توصي به جميع الشباب، والشابات على وجه الخصوص. وتخاطب المرأة بقولها: “يتعين عليكِ أن تتحلي بالجرأة والشجاعة، والإقدام على خوض التحديات”.
وتحرص فاطمة دائماً على تشجيع أفراد فريق عملها على المشاركة والإبداع، وتقول: “أقول لأفراد فريق عملي، لا تتوقعوا أن يأتي قائد الفريق لعرض فكرتكم في الاجتماع. بل تحدثوا عنها أنتم، وتناولوها بالتفصيل، لأنه ما من أحد قادر على شرحها أكثر من صاحبها. كما أن الأمر هنا يدور حول منح الفضل للشخص الصحيح، وتشجيعه على مواصلة الإبداع وإظهار إمكاناته الحقيقية. فذلك يساعده على مواصلة التقدم وتحقيق النجاح”.
في الحقيقة، فإن أكثر اللحظات تميزاً بالنسبة لفاطمة، هي عندما كانت في إجازة أمومة، وعلمت من زملائها في “جنرال إلكتريك” بوجود فرصة عمل في المنصب الذي تشغله اليوم. وعلى الرغم من ترددها في البداية، إلا أنها تقدمت للوظيفة، وتتذكر ذلك بالقول: “حضرت مقابلة العمل عبر الإنترنت أثناء إجازتي، عندما كانت طفلتي في أولى أيامها. إلا أنهم أدركوا إمكاناتي، وحصلت على هذه الفرصة القيمة”.
وتختتم فاطمة قائلة: “أنا فخورة كوني من هذه المنطقة، وفي شركة تحتفي بالنساء وتثمن قيمتهن وتدرك أهمية دعمهن ليتمكن من تحقيق التوازن بين حياتهن المهنية والشخصية”.