الدكتورة رجاء بنت محمد الردادي
استشارية الطب الوقائي والصحة العامة، رئيسة المجلس العلمي للطب الوقائي.
تحتل اللقاحات موقعًا جوهريًا ضمن خارطة الرعاية الصحية الحديثة في المملكة العربية السعودية. وباعتبارها ركنًا أساسيًا في مجال الصحة العامة؛ فإنّها تؤدي دورًا محوريًا في إنقاذ الأرواح، والوقاية من الأمراض، والحفاظ على سلامة المجتمعات. تُساهم اللقاحات بفعالية في تعزيز صحة المجتمع، وتُعَد أحد أبرز عناصر التقدم في تاريخ الطب. إذ تؤدي دوراً كبيرًا في الحد من انتشار الأمراض المُعدية التي كبدت العالم أضرارًا هائلة.
ورغم فوائدها المثبتة علميًا، يستمر التردد والتشكيك في أهمية اللقاحات لدى فئات معينة من المجتمع. يعُود ذلك بشكل أساسي إلى انتشار المفاهيم الخاطئة. ومع ذلك، توجد أدلة وبيانات علمية تؤكد بلا شك الدور الحيوي للقاحات. إلى جانب دورها في الحماية من الأمراض؛ تعمل اللقاحات على توفير موارد الرعاية الصحية لمواجهة تحديات طبية أخرى. على المستوى العالمي، تتمتع اللقاحات بالقدرة على تجنب وقوع 4-5 ملايين حالة وفاة سنويًا، إلى جانب إمكانية إنقاذ حياة 1.5 مليون شخص. إن انتشار اللقاحات حول العالم يزيد من فعاليتها في حماية الرضع، الأطفال، والفئات الأكبر سنًا من الأمراض المعدية.
في المملكة العربية السعودية، تحمل اللقاحات مجموعة من الفوائد التي تؤثر إيجابًا على المجتمع والاقتصاد. حيث تُعتبر اللقاحات خيارًا اقتصاديًا لحماية الصحة العامة من خلال الوقاية من الأمراض والتخفيف من حدتها. كما تُساعد اللقاحات في تقليل التكاليف المُتصاعدة للرعاية الصحية عن طريق الوقاية من الأمراض، مما يُفضي إلى الحد من انتشارها بدلاً من معالجتها بعد الإصابة. يمكن أن يؤدّي هذا النهج الوقائي إلى تحقيق فوائد اقتصادية طويلة الأمد، للمساهمة في رفع الناتج الإجمالي المحلي للمملكة.
تمتد فوائد اللقاحات إلى ما هو أبعد من مرحلة الطفولة. فتشير الأدلة إلى أنّ لقاحات البالغين يجب أن تكُون جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الشيخوخة الصحية، مما يُقلل من احتمالية الإصابة بالأمراض ومعدلات الوفاة الناتجة عنها، ويرفع مستوى جودة الحياة.
تعد الالتهابات الرئوية السبب الخامس للوفاة في المملكة العربية السعودية. ولحسن الحظ، هناك العديد من اللقاحات التي يمكن أن تساعد في الوقاية منها. لا يزال خطر الإصابة بكوفيد-19 قائمًا، وخاصة لدى كبار السن وفئات المجتمع الأكثر عرضة للإصابة مثل مرضى الأمراض المزمنة ونقص المناعة.
يصنف الفيروس المخلوي التنفسي (RSV) كفيروس موسمي يُسبب أعراضًا تشبه تلك الأعراض الناتجة عن أمراض البرد، ويمكن أن يؤدي إلى إصابات تنفسية حادة. ولذلك يمكن أن يُشكّل أخذ اللقاح الحماية من هذا الفيروس، ليس للأطفال فقط، بل للكبار أيضًا. وعلى المستوى العالمي، يؤثر الفيروس المخلوي التنفسي على نحو 64 مليون شخص ويؤدي إلى 160,000 حالة وفاة سنويًا، مما يسلط الضوء على أهمية الحصول على اللقاح.
كما أنّ التوصيات تؤكد على أهمية أخذ لقاح الأنفلونزا أيضاً، وبخاصة لدى الأطفال، وكبار السن، ومرضى الأمراض المزمنة، وأمراض نقص المناعة. وذلك لأنّ الوقاية من الإنفلونزا تُقلّل من حدة الضغط على أنظمة الرعاية الصحية، الأمر الذي يتيح لها مواكبة الاحتياجات الطبية الأخرى بفعالية أعلى.
يُنصح بأخذ لقاح مرض المكورات الرئوية (PD)، وبخاصة لدى الأطفال والكبار فوق 65 عاماً؛ لأنهم أكثر عرضة لتداعيات حادة مثل الالتهاب الرئوي. ويمكن للقاح أن يُقلل من احتمالية الدخول إلى المستشفى، ويقلل نسبة الوفيات لدى الفئات المعرضة للخطر.
ومن الجدير بالذكر أنه مع مرور الوقت، تضعف فعالية اللقاح وتصبح اللقاحات الموسمية ضرورية، خاصة للأمراض التي يظهر منها متحورات جديدة.
وفي الختام، تعتبر اللقاحات عنصراً حيوياً ضمن خارطة الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية. فهي قادرة على إنقاذ حياة الإنسان، والوقاية من الأمراض، وضمان السلامة العامة. ومن خلال وضع التحصين كأولوية، يُساهم الأفراد في صناعة مجتمع صحي لمواجهة التحديات الصحية الراهنة والمستقبلية.
لا ينبغي أن نغفل عن الأهمية الجوهرية للقاحات في الحفاظ على صحة وسلامة أفراد المجتمع، خاصة في ظل الانشغال بمتطلبات الحياة اليومية. فمن خلال السعي والتعاون في الجهود المبذولة لضمان أخذ اللقاح نحافظ على صحتنا وصحة الأجيال القادمة