اللوحات الإعلانية تغدو مساحات فنية عامّة في خدمة قضايا مهمة

بواسطة Namar Khalid

في العادة يتجاهل معظمنا أثناء قيادة السيارة على الطرقات، أو السير على القدمين، اللوحات الإعلانية المنتشرة هنا وهناك، لكن المارّين في شارع الشيخ زايد هذه الأيام تشدّ أنظارهم وتمتعها وليمة بصرية مختلفة أثناء عبورهم شريان دبي الحيوي وطريقها الأشهر.

فبخلاف اللوحات الإعلانية النمطية، لفتت لوحة LEGO الإعلانية، التي أقامتها LEGO الشرق الأوسط، الأنظار في دبي، حيث رأى فيها الناظرون عملًا نابضًا بالحياة، جاءت فيه مكعبات LEGO بألوانها التقليدية التي بدت مذهلة في مشهدها المسطح الممتدّ على أحد الجسور العابرة فوق شارع الشيخ زايد. يمثل كل لون من ألوان تلك المكعبات حسًّا عاطفيًا أو جانبًا من جوانب الطبيعة البشرية المتباينة التي لا بدّ لنا من احتضانها؛ فالأحمر يرمز للحب، والأزرق يجسّد التواصل، والأخضر يعكس جمال الطبيعة، أما الأصفر فهو لون البهجة والفرح. ولعلّ هذه الألوان تكون مألوفة لأي شخص سبق له أن لعب بمكعبات LEGO، لكن الرسالة المراد إيصالها من هذا العمل وهذه الألوان، أعمق من ذلك!

كان تركيب الإعلان الخارجي الفريد هذا جزءًا من حملة ترويجية أطلقتها علامة LEGO تحت عنوان “بناء الجسور”، ألقت الضوء فيها على تقاليد شهر رمضان من خلال عيون الأطفال. ونظرًا لأن الصراعات والانقسامات باتت تُنهك العالم وتُضعفه، فقد ارتأت العلامة اللعب الشهيرة أن تشجّع الكبار على إعادة التواصل مع أطفالهم ذوي العقليات الأكثر براءة وانفتاحًا، وتعزيز قيمة التسامح لديهم.

الفكرة من وراء هذا الإعلان تمثلت في أن على البالغين أن يشيّدوا جسور التواصل والمودّة مثلما يفعل الأطفال؛ بانفتاح ومرح واستعداد للتسامح، وهنا تأتي المكعبات نفسها على سبيل “الاستعارة” لتشكيل السبل التي نعيد فيها بناء علاقاتنا وتقويتها بطريقة تبدو أبسط، وتذكّرنا بضرورة ألّا نحمّل الأمور أكثر مما تحتمل!

لقد أصبح هذا العمل المبتكر رمزًا للعب والتواصل، فضلًا عن كوه دليلًا واضحًا ومتجدّدًا على طريقة تأثير التصميم في السلوك.

إن بوسع المرء أن يستحضر على الفور أوجه التشابه بين هذا العمل ولوحة الموزاييك المجسمة “فاڤيلا موزاييكو” Favela Mosaico الشهيرة في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، وهي فسيفساء خلابة صنعها السكان في حيهم بعد أن اجتمعوا لإحياء ذكرى عمل فني سابق كان أبدعه الفنانان الهولنديان هاس وهان وتعرض للتحلّل الجزئي، فأعادوا الحياة إليه بأن استبدلوا بالطلاء الباهت أحجارًا ملوّنة! قام خبراء الفسيفساء بوضع الحجارة قطعة قطعة، في عمل أقرب ما يكون إلى بناء جسر للتوسّع والتواصل.

وبالمنطق نفسه، فإن لوحة الإعلانات الملهِمة للفنان والمصمم ماثيو هوفمان، “يو آر بيوتيفل” You Are Beautiful، التي أقامها في شيكاغو، تبعث برسائل إيجابية لمشاهديها، إذ تقدّم تصورًا فلسفيًا لكل ما يشكّل جمالًا أساسيًا في حياتنا، وفي المشهد الجمعي الإنساني ككل. على أن ما يجعل هذا العمل فريدًا من نوعه هو الإشادة العالمية الواسعة باللوحة التي حوّلها هوفمان إلى ملصقات متداولة في جميع أنحاء العالم!

وعلى المنوال نفسه، تذكرنا لوحة إعلانات LEGO بالتسامح وتدعونا إليه، كيف لا وهو مسألة عالمية وقضيّة إنسانية تمسّ كل واحد فينا.

وإذا ما نظرنا إلى ساحة تايمز سكوير في نيويورك، نجدها واحدة من المعالم المذهلة التي كشفت خلال أزمة جائحة كورونا عن مشروع فنّي ضخم، فقد قدّم مالكو اللوحات الإعلانية في الساحة ذات الشهرة العالمية الواسعة، مساحات إعلانية مجانية لبثّ “رسائل شكر” للعاملين في الخطوط الأمامية إبّان الجائحة. وأظهرت إحدى اللوحات الإعلانية صورة لعاملين في مجال الرعاية الصحية بأجنحة ملائكية وهم يرتدون الكمامات فيما تعلوهم عبارة “نيويورك تحبكم”.

وقد غدت اللوحات الإعلانية الآن تفاعلية مبتكرة، بل إن بعضها يجعل التبرعات أسهل وأكثر جاذبية من خلال قبولها بطاقات الائتمان! وخير مثال على ذلك حملة “سوشل سوايب” Social Swipe التي أطلقتها منظمة الإغاثة “ميزيريور” MISEREOR وخلقت منها تجربة تفاعلية فريدة؛ إذ تُمرّر بطاقة الائتمان في وسط لوحة الإعلانات للتبرع بمبلغ 2 يورو إلى المنظمة، وعند تمرير البطاقة في لوحة الإعلان التي تدعو إلى إطعام الفقراء وتحمل صورة لخبز، فإنها تقطع فورًا شريحة من ذلك الخبز، في إشارة إلى أن هذا التبرع سيذهب لتقديم وجبة طعام لأسرة في بيرو.

إن أعمالًا فنية تصميمية كتلك الأعمال يمكن أن تساهم في إحداث التغيير من خلال الاستفادة من إبداعنا الفِطري، وتتحدانا للتفكير في بعض المسائل التي نراها حتمية في حياتنا. وبينما نواصل الخوض في تعقيدات الحياة الحديثة، ربما يسَعُنا أن نتعلّم درسًا مهمًا من لوحة الجسر الإعلانية؛ أن نسعى لنكون أكثر مرحًا وأكثر استعدادًا للتسامح وأوثق صلة بالآخرين من حولنا.

إنها رسالة تتجاوز اختلاف اللغات وتبايُن الثقافات… رسالة يمكننا جميعًا أن نفهمها وندرك فحواها.

اخبار ذات صلة